سورة السجدة - تفسير تفسير الألوسي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (السجدة)


        


{أَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَى نُزُلًا بما كَانُوا يَعْمَلُونَ (19)}
{أَمَّا الذين ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات فَلَهُمْ جنات المأوى} تفصيل لمراتب الفريقين بعد نفي استوائهما وقيل: بعد ذكر أحوالهما في الدنيا، وأضيفت الجنان إلى المأوى لأنها المأوى والمسكن الحقيقي والدنيا منزل مرتحل عنه لا محالة، وقيل: المأوى علم لمكان مخصوص من الجنان كعدن، وقيل: جنة المأوى لما روي عن ابن عباس، أنها تأوي إليها أرواح الشهداء، وروي أنها عن يمين العرش ولا يخفى ما في جعله علمًا من البعد وأيًا ما كان فلا يبعد أن يكون فيه رمز إلى ما ذكر من تجافيهم عن مضاجعهم التي هي مأواهم في الدنيا.
وقرأ طلحة {جَنَّةُ المأوى} بالأفراد {نُزُلًا} أي ثوابًا وهو في الأرض ما يعد للنازل من الطعام والشراب والصلة ثم عم كل عطاء، وانتصابه على أنه حال من {جنات} والعامل فيه الظرف، وجوز أن يكون جمع نازل فيكون حالًا من ضمير {الذين كَفَرُواْ} وقرأ أبو حيوة {نُزُلًا} بإسكان الزاي كما في قوله:
وكنا إذا الجبار بالجيش ضافنا *** جعلنا القنا والمرهفات له نزلًا
{ا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} أي بسبب الذي كانوا يعملونه في الدنيا من الأعمال الصالحة على أن ما موصولة والعائد محذوف والباء سببية، وكون ذلك سببًا قتضى فضله تعالى ووعده عز وجل فلا ينافي حديث: «لا يدخل أحدكم الجنة بعمله» ويجوز أن تكون الباء للمقابلة والمعاوضة كعلى في نحو بعتك الدار على ألف درهم أي فلهم ذلك على الذي كانوا يعملونه.


{وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (20)}
{وَأَمَّا الذين فَسَقُواْ} أي خرجوا عن الطاعة فكفروا وارتكبوا المعاصي {فَمَأْوَاهُمُ} أي فمسكنهم ومحلهم {النار} وذكر بعضهم أن المأوى صار متعارفًا فيما يكون ملجأ للشخص ومستراحًا يستريح إليه من الحر والبرد ونحوها فإذا أريد هنا يكون في الكلام استعارة تهكمية كما في قوله تعالى: {فَبَشّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٌ} [آل عمران: 21]، وجوز أن يكون استعمال ذلك من باب المشاكلة لأنه لما ذكر في أحد القسمين فلهم جنات المأوى ذكر في الآخر {فَمَأْوَاهُمُ النار} {كُلَّمَا أَرَادُواْ أَن يَخْرُجُواُ مِنْهَا أُعِيدُواْ} استئناف لبيان كيفية كون النار مأواهم والكلام على حد قوله تعالى: {جِدَارًا يُرِيدُ أَن يَنقَضَّ} [الكهف: 77] على ما قيل، والمعنى كلما شارفوا الخروج منها وقربوا منه أعيدوا فيها ودفعوا إلى قعرها، فقد روي أنهم يضربهم لهب النار فيرتفعون إلى أعلاها حتى إذا قربوا من بابها وأرادوا أن يخرجوا منها يضربهم اللهب فيهوون إلى قعرها وهكذا يفعل بهم أبدًا، وقيل: الكلام على ظاهره إلا أن فيه حذفًا أي كلما أرادوا أن يخرجوا منها فخرجوا من معظمها أعيدوا فيها، ويشير إلى أن الخروج من معظمها قوله تعالى: {فِيهَا} دون إليها، أن يكون الكلام هنا عبارة عن خلودهم فيها، وأيًا ما كان لا منافاة بين هذه الآية وقوله تعالى: {وَمَا هُم بخارجين مِنَ النار} [البقرة: 167] {وَقِيلَ لَهُمْ} تشديدًا عليهم وزيادة في غيظهم.
{ذُوقُواْ عَذَابَ النار الذي كُنتُمْ بِهِ} أي بعذاب النار {تُكَذّبُونَ} على الاستمرار في الدنيا وأظهرت النار مع تقدمها قبل لزيادة التهديد والتخويف وتعظيم الأمر، وذكر ابن الحاجب في أماليه وجهًا آخر للإظهار وهو أن الجملة الواقعة بعد القول حكاية لما يقال لهم يوم القيامة عند إرادتهم الخروج من النار فلا يناسب ذلك وضع الضمير إذ ليس القول حينئذٍ مقدمًا عليه ذكر النار وإنما ذكرها سبحانه قبل إخبارًا عن أحوالهم، ونظر فيه الطيبي عليه الرحمة بأن هذا القول داخل أيضًا في حيز الإخبار لعطفه على {أُعِيدُواْ} الواقع جوابًا لكلما فكما جاز الإضمار في المعطوف عليه جاز فيه أيضًا إن لم يقصد زيادة التهديد والتخويف.
ورد بأن المانع أنه حكاية لما يقال لهم يوم القيامة والأصل في الحكاية أن تكون على وفق المحكي عنه دون تغيير ولا إضمار في المحكي لعدم تقدم ذكر النار فيه. وتعقب بأنه قد يناقش فيه بأن مراده أنه يجوز رعاية المحكي والحكاية وكما أن الأصل رعاية المحكي الأصل الإضمار إذا تقدم الذكر فلابد من مرجح.
وقال بعض المحققين: أراد ابن الحاجب أن الإظهار هو المناسب في هذه الجملة نظرًا إلى ذاتها ونظرًا إلى سياقها أما الأول: فلأنها تقال من غير تقدم ذكر النار، وأما الثاني: فلأن سياق الآية للتهديد والتخويف وتعظيم الأمر وفي الإظهار جائز وأنه رجح الإظهار اقتضاء السياق لذلك.
ونقل عن الراغب ما يدل على أن المقام في هذه الآية مقام الضمير حيث ذكر عنه أنه قال في «درة التنزيل»: إنه تعالى قال هاهنا {ذُوقُواْ عَذَابَ النار الذي كُنتُمْ بِهِ تُكَذّبُونَ} وقال سبحانه في آية أخرى: {عَذَابَ النار التى كُنتُم بِهَا تُكَذّبُونَ} [سبأ: 42] فذكر جل وعلا هاهنا وأنث سبحانه هناك والسر في ذلك أن النار هاهنا وقعت موقع الضمير والضمير لا يوصف فأجرى الوصف على العذاب المضاف إليها وهو مذكر وفي تلك الآية لم يجر ذكر النار في سياقها فلم تقع النار موقع الضمير فأجرى الوصف عليها وهي مؤنثة دون العذاب فتأمل.


{وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (21)}
{وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مّنَ العذاب الادنى} أي الأقرب، وقيل: الأقل وهو عذاب الدنيا فإنه أقرب من عذاب الآخرة وأقل منه، واختلف في المراد به فروى النسائي. وجماعة وصححه الحاكم عن ابن مسعود أنه سنون أصابتهم، وروي ذلك عن النخعي. ومقاتل، وروى الطبراني. وآخرون وصححه والحاكم عن ابن مسعود أيضًا أنه ما أصابهم يوم بدر. وروي نحوه عن الحسن بن علي رضي الله تعالى عنهما بلفظ هو القتل بالسيف نحو يوم بدر، وعن مجاهد القتل والجوع.
وأخرج مسلم. وعبد الله بن أحمد في زوائد المسند. وأبو عوانة في صحيحه، وغيرهم عن أبي بن كعب أنه قال: هو مصائب الدنيا والروم والبطشة والدخان، وفي لفظ مسلم أو الدخان.
وأخرج ابن المنذر. وابن جرير. عن ابن عباس أنه قال: هو مصائب الدنيا وأسقامها وبلاياها، وفي رواية عنه. وعن الضحاك. وابن زيد بلفظ مصائب الدنيا في الأنفس والأموال، وفي معناه ما أخرج ابن مردويه عن أبي إدريس الخولاني قال: سألت عبادة بن الصامت عن قوله تعالى: {وَلَنُذِيقَنَّهُمْ} الآية فقال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها فقال عليه الصلاة والسلام: هي المصائب والأسقام والآصار عذاب للمسرف في الدنيا دون عذاب الآخرة قلت: يا رسول الله فما هي لنا؟ قال: زكاة وطهور، وفي رواية عن ابن عباس أنه الحدود.
وأخرج هنا عن أبي عبيدة أنه فسره بعذاب القبر، وحكي عن مجاهد أيضًا {دُونَ العذاب الاكبر} هو عذاب يوم القيامة كما روي عن ابن مسعود. وغيره، وقال: ابن عطية لا خلاف في أنه ذلك، وفي التحرير إن أكثرهم على أن العذاب الأكبر عذاب يوم القيامة في النار، وقيل: هو القتل والسبي والأسر، وعن جعفر بن محمد رضي الله تعالى عنهما أنه خروج المهدي بالسيف انتهى، وعليهما يفسر العذاب الأدنى بالسنين أو الأسقام أو نحو ذلك مما يكون أدنى مما ذكر، وعن بعض أهل البيت تفسيره بالدابة والدجال، والمعول عليه ما عليه الأكثر.
وإنما لم يقل الأصغر في مقابلة {الاكبر} أو الأبعد في مقابلة {الادنى} لأن المقصود هو التخويف والتهديد وذلك إنما يحصل بالقرب لا بالصغر وبالكبر لا بالبعد، قاله النيسابوري ملخصًا له من كلام الإمام، وكذا أبو حيان إلا أنه قال: إن الأدنى يتضمن الأصغر لأنه منقض وت المعذب والأكبر يتضمن الأبعد لأنه واقع في الآخرة فحصلت المقابلة من حيث التضمن وصرح بما هو آكد في التخويف {لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} أي لعل من بقي منهم يتوب قاله ابن مسعود، وقال الزمخشري: أو لعلهم يريدون الرجوع ويطلبونه كقوله تعالى: {فارجعنا نَعْمَلْ صالحا} [السجدة: 12] وسميت إرادة الرجوع رجوعًا كما سميت إرادة القيام قيامًا في قوله تعالى: {يَأَيُّهَا الذين ءامَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصلاة فاغسلوا وجوهكم} [المائدة: 6] ويدل عليه قراءة من قرأ {يَرْجِعُونَ} على البناء للمفعول انتهى.
وهو على ما حكي عن مجاهد وروي عن أبي عبيدة فيتعلق {لَعَلَّهُمْ} إلخ بقوله تعالى: {وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مّنَ العذاب الادنى} [السجدة؛ 12] كما في الأول إلا أن الرجوع هنالك التوبة وههنا الرجوع إلى الدنيا ويكون من باب {فالتقطه ءالُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا} [القصص: 8] أو يكون الترجي راجعًا إليهم، ووجه دلالة القراءة المذكورة عليه أنه لا يصح الحمل فيها على التوبة، والظاهر التفسير المأثور، والقراءة لا تأباه لجواز أن يكون المعنى عليها لعلهم يرجعهم ذلك العذاب عن الكفر إلى الإيمان، و{لَعَلَّ} لترجي المخاطبين كما فسرها بذلك سيبويه، وعن ابن عباس تفسيرها هنا بكى وكأن المراد كي نعرضهم بذلك للتوبة، وجعلها الزمخشري لترجيه سبحانه ولاستحالة حقيقة ذلك منه عز وجل حمله على إرادته تعالى، وأورد على ذلك سؤالًا أجاب عنه على مذهبه في الاعتزال فلا تلتفت إليه، هذا والآيات من قوله تعالى: {أَفَمَن كَانَ مُؤْمِنًا كَمَن كَانَ فَاسِقًا} [السجدة؛ 18] إلى هنا نزلت في علي كرم الله تعالى وجهه. والوليد بن عقبة بن أبي معيط أخي عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه لأمه أروى بنت كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس، أخرج أبو الفرج الأصبهاني في كتاب الأغاني. والواحدي. وابن عدي. وابن مردويه. والخطيب. وابن عساكر من طرق عن ابن عباس قال: قال الوليد بن عقبة لعلي كرم الله تعالى وجهه أنا أحد منك سنانًا وأبسط منك لسانًا واملأ للكتيبة منك فقال علي رضي الله تعالى عنه: اسكت فإنما أنت فاسق فنزلت {أَفَمَن كَانَ مُؤْمِنًا} الخ.
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي نحو ذلك، وأخرج هذا أيضًا عن عبد الرحمن بن أبي ليلى أنها نزلت في علي كرم الله تعالى وجهه. والوليد بن عقبة ولم يذكر ما جرى، وفي رواية أخرى عنه أنها نزلت في علي كرم الله تعالى وجهه. ورجل من قريش ولم يسمه، وفي الكشاف روى في نزولها أنه شجر بين علي رضي الله تعالى عنه. والوليد بن عقبة يوم بدر كلام فقال له الوليد: اسكت فإنك صبي أنا أشب منك شبابًا وأجلد منك جلدًا وأذرب منك لسانًا وأحد منك سنانًا وأشجع منك جنابًا وأملأ منك حشوًا في الكتيبة فقال له علي كرم الله تعالى وجهه: اسكت فإنك فاسق فنزلت، ولم نره بهذا اللفظ مسندًا، وقال الخفاجي: قال ابن حجر إنه غلط فاحش فإن الوليد لم يكن يوم بدر رجلًا بل كان طفلًا لا يتصور منه حضور بدر وصدور ما ذكر.
ونقل الجلال السيوطي عن الشيخ ولي الدين هو غير مستقيم فإن الوليد يصغر عن ذلك {وأقول:} بعض الأخبار تقتضي أنه لم يكن مولودًا يوم بدر أو كان صغيرًا جدًا، أخرج أبو داود في السنن من طريق ثابت بن الحجاج عن أبي موسى عبد الله الهمداني عنه أنه قال: لما افتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة جعل أهل مكة يأتونه بصبيانهم فيمسح على رؤوسهم فأتى بي إليه عليه الصلاة والسلام وأنا مخلق فلم يمسني من أجل الخلوق إلا أن ابن عبد البر قال: إن أبا موسى مجهول، وأيضًا ذكر الزبير.
وغيره من أهل العلم بالسير أن أم كلثوم بنت عقبة لما خرجت مهاجرة إلى النبي صلى الله عليه وسلم في الهدنة سنة سبع خرج أخواها الوليد وعمارة ليرداها، وهو ظاهر في أنه لم يكن صبيًا يوم الفتح إذ من يكون كذلك كيف يكون ممن خرج ليرد أخته قبل الفتح، وبعض الأخبار تقتضي أنه كان رجلًا يوم بدر، فقد ذكر الحافظ ابن حجر في كتابه الإصابة أنه قدم في فداء ابن عم أبيه الحرث بن أبي وجرة بن أبي عمرو بن أمية وكان أسر يوم بدر فافتداه بأربعة آلاف وقال: حكاه أهل المغازي ولم يتعقبه بشيء، وسوق كلامه ظاهر في ارتضائه ووجه اقتضائه ذلك أن ما تعاطاه من أفعال الرجال دون الصبيان، وهذا الذي ذكرناه عن ابن حجر يخالف ما ذكره عنه الخفاجي عليه الرحمة مما مر آنفًا، ولا ينبغي أن يقال: يجوز أن يكون صغيرًا ذلك اليوم صغرًا يمكن معه عادة الحضور فحضر وجرى ما جرى لأن وصفه بالفسق عنى الكفر والوعيد عليه بما سمعت في الآيات مع كونه دون البلوغ مما لا يكاد يذهب إليه إلا من يلتزم أن التكليف بالإيمان إذ ذاك كان مشروطًا بالتمييز، ولا أن يقال: يجوز أن تكون هذه القصة بعد إسلامه وقد أطلق عليه فاسق وهو مسلم في قوله تعالى: {يا أيها الذين ءامَنُواْ إِن جَاءكُمْ فَاسِقُ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُواْ أَن} [الحجرات: 6] فقد قال ابن عبد البر: لا خلاف بين أهل العلم بتأويل القرآن أنها نزلت فيه حيث أنه صلى الله عليه وسلم بعثه مصدقًا إلى بني المصطلق فعاد وأخبر أنهم ارتدوا ومنعوا الصدقة ولم يكن الأمر كذلك لأن الفسق هاهنا عنى الكفر وهناك ليس كذلك، ثم اعلم أن القول بأنها نزلت في علي كرم الله تعالى وجهه. والوليد لكلام جرى يوم بدر يقتضي أنها مدنية والمختار عند بعضهم خلافه.

3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10